الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ}.والفطر الشق عن الشيء بإظهاره للحسن يقال فطر ناب الناقة إذا طلع، وفطر دمه إذا أخرجه. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها.وفي تأويله هاهنا وجهان:أحدهما: خالق السموات والأرض، قاله قتادة، والكلبي، ومقاتل.الثاني: أنه شقها لما ينزل منها وما يعرج فيها.{جَاعِلِ الْمَلآَئِكَةِ رُسُلًا} فيه قولان:أحدهما: إلى الأنبياء، قاله يحيى بن سلام.الثاني: إلى العباد رحمة أو نقمة، قاله السدي.{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة. والمثنى والثلاث والرباع ما تكرر فيه الاثنان والثلاثة والأربعة.{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: أنه حسن الصوت، قاله الزهري وابن جريج.الثاني: أنه الشعر الجعد، حكاه النقاش.الثالث: يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء، قاله الحسن.ويحتمل رابعًا: أنه العقل والتمييز.ويحتمل خامسًا: أنه العلوم والصنائع. ويكون معناه على هذين التأويلين:كما يزيد في الخلق ما يشاء كذلك يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء.قوله عز وجل: {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فيه سبعة تأويلات:أحدها: من خير، قاله قتادة.الثاني: من مطر، قاله السدي.الثالث: من توبة، قاله ابن عباس.الرابع: من وحي، قاله الحسن.الخامس: من رزق وهو مأثور.السادس: من عافية، قاله الكلبي.السابع: من دعاء، قاله الضحاك.ويحتمل ثامنًا: من توفيق وهداية.قوله عز وجل: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا} فيه أربعة أقاويل:أحدها: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة، ويكون سوء عمله معاندة الرسول.الثاني: أنهم الخوارج، رواه عمرو بن القاسم، ويكون سوء عمله تحريف التأويل.الثالث: الشيطان، قاله الحسن ويكون سوء عمله الإغواء.الرابع: كفار قريش، قاله الكلبي، ويكون سوء عملهم الشرك.وقيل إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب، وقال غيره نزلت في أبي جهل بن هشام.في قوله: {فَرءَاهُ حَسَنًا} وجهان:أحدهما: صوابًا، قاله الكلبي.الثاني: جميلًا.وفي الكلام محذوف اختلف فيه على ثلاثة أوجه:أحدها: أن المحذوف منه: فإنه يتحسر عليه يوم القيامة، قاله ابن عيسى.الثاني: أن المحذوف منه: كمن آمن وعمل صالحًا لا يستويان، قاله يحيى بن سلام.الثالث: أن المحذوف منه: كمن عمل الحسن والقبح.قوله عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} فيه قولان:أحدهما: يعني بالعزة المنعة فيتعزز بطاعة الله تعالى، قاله قتادة.الثاني: علم العزة لمن هي، فلله العزة جميعًا.وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما رواه الحسن أن المشركين عبدوا الأوثان لتعزهم كما وصف الله تعالى عنهم في قوله: {وَاتَّخَذُواْ مِن اللهِ دُونِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزًّا} فأنزل الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فِلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}.{إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} فيه قولان:أحدهما: أنه التوحيد، قاله يحيى بن سلام.الثاني: الثناء علىمن في الأرض من صالح المؤمنين يصعد به الملائكة المقربون، حكاه النقاش.{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فيه قولان:أحدهما: أنه أداء الفرائض.الثاني: أنه فعل القرب كلها.وفي قوله: {يَرْفَعُهُ} ثلاثة أقاويل:أحدها: أن العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب، قاله الحسن، ويحيى بن سلام.الثاني: أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، قاله الضحاك وسعيد بن جبير.الثالث: أن العمل يرفعه الله بصاحبه، قاله قتادة، السدي.{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني يشركون في الدنيا.{لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} يعني في الآخرة.{وَمَكْرُ أُوْلئِكَ هُوَ يَبُورُ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: يفسد عند الله تعالى، قاله يحيى بن سلام.الثاني: يبطل، قاله قتادة.الثالث: يهلك، والبوار الهلاك، قاله قطرب.وفي المراد: {أُوْلئِكَ} قولان:أحدهما: أهل الشرك.الثاني: أصحاب الربا، قاله مجاهد.قوله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} يعني آدم.{ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} يعني نسله.{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} فيه وجهان:أحدهما: أصنافًا، قاله الكلبي.الثاني: ذكرانًا وإناثًا، والواحد الذي معه آخر من شكله زوج والاثنان زوجان، قال الله تعالى: {وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينَ الذَّكَرَ والأُنْثَى} [النجم: 45] وتأول قتادة قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} أي زوّج بعضكم لبعض.{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} يعني بأمره.{وَمَا يَعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ منْ عَمُرِهِ} الآية. فيه قولان:أحدهما: ما نمد في عمر معمر حتى يصير هرمًا. ولا ينقص من عمر أحد حتى يموت طفلًا إلا في كتاب.الثاني: ما يعمر من معمر قدر الله تعالى مدة أجله إلا كان ما نقص منه بالأيام الماضية عليه في كتاب عند الله.قال سعيد بن جبير: هي صحيفة كتب الله تعالى في أولها أجله، ثم كتب في أسفلها ذهب يوم كذا ويوم كذا حتى يأتي على أجله، وبمثله قال أبو مالك، والشعبي.وفي عمر المعمر ثلاثة أقاويل:أحدها: ستون سنة، قاله الحسن.الثاني: أربعون سنة.الثالث: ثماني عشرة سنة، قاله أبو غالب.{إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي هين.ويحتمل وجهين:أحدهما: أن إثبات ذلك على الله يسير.الثاني: أن زيادة عمر المعمر ونقصان عمر الآخر عند الله تعالى يسير.وللكلبي فيه ثالث: أن حفظ ذلك بغير كتاب على الله يسير.{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} يحتمل وجهين:أحدهما: ما يستويان في أنفسهما.الثاني: في منافع الناس بهما.{هذَا عَذْبٌ فُراتٌ} والفرات هو العذب وذكره تأكيدًا لاختلاف اللفظين كما يقال هذا حسن جميل.{سَآئَغٌ شَرَابُهُ} أي ماؤه.{وَهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي مُرٌّ مأخوذ من أجة النار كأنه يحرق من شدة المرارة، قال الشاعر:{وَمِن كُلٍّ تَأكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} يعني لحم الحيتان مأكول من كلا البحرين.{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} اللؤلؤ والمرجان يستخرج من الملح، ويكون المراد أحدهما وإن عطف بالكلام عليهما.وقيل: بل هو مأخوذ منهما لأن في البحر عيونًا عذبة، وما بينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج وقيل من مطر السماء.ثم قال: {تَلْبَسُونَهَا} وإن لبسها النساء دون الرجال لأن جمالها عائد عليهم جميعًا.{وَتَرى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} فيه خمسة أوجه:أحدها: مقبلة ومدبرة وريح واحدة، قاله يحيى بن سلام.الثاني: مواقر، قاله الحسن. قال الشاعر: الثالث: معترضة، قاله أبو وائل.الرابع: جواري، قاله ابن قتيبة.الخامس: تمخر الماء أي تشقه في جريها شقًا، قاله علي بن عيسى.{لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} قال مجاهد: التجاة في الفلك.ويحتمل وجهًا آخر ما يستخرج من حليته ويصاد من حيتان.{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فيه وجهان:أحدهما: على ما آتاكم من نعمه.الثاني: على ما آتاكم من فضله.ويحتمل ثالثًا: على ما أنجاكم من هوله. اهـ. .قال الثعلبي: قوله عز وجل: {الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ} يعني في أجنحة الملائكة.أخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدّثنا ابن شاذان قال: حدّثنا جعونة بن محمد قال: حدّثنا صالح بن محمد قال: حدثنا مسلم بن اياس عن عبد الله بن المبارك عن ليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبرائيل عليه السلام: أن يتراءى لهُ في صورته، فقال له جبرائيل عليه السلام إنك لن تطيق ذلك قال: «إني أُحبُّ أن تفعل» فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلّى في ليلة مقمرة، فأتاه جبرائيل عليه السلام في صورته، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه، فلما أفاق وجبرائيل عليه السلام مسنده واضعًا إحدى يديه على صدره والأُخرى بين كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله ما كنت أرى أنّ شيئًا من الخلق هكذا». فقال جبرائيل عليه السلام: فكيف لو رأيت إسرافيل عليه السلام؟ إنّ له لاثني عشر جناحًا؛ جناح منها بالمشرق وجناح بالمغرب، وإنّ العرش على كاهله وإنه ليتضاءل الأحايين لعظمة الله عز وجل حتى يعود هذا الوصع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرشه إلاّ عظمته.وأخبرني أبو الحسن الساماني قال: أخبرني أبو حامد البلالي عن العباس بن محمد الدوري قال: أخبرني أبو عاصم النبيل عن صالح التاجي عن ابن جريج عن ابن شهاب في قول الله عز وجل: {يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ} قال: حسن الصورة.وأخبرني الحسين بن محمد عن أحمد بن جعفر بن حمدان عن عبد الله بن محمد بن سنان عن سلمة بن حبان عن صالح التاجي عن الهيثم القارئ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك؟ جزاك الله خيرًا، وقيل: الخطّ الحسن.أخبرنا ابن فنجويه عن ابن شيبة عن ابن زنجويه عن سلمة عن يحيى بن أحمد الفزار ويحيى ابن أكثم قالا: أخبرنا أبو اليمان عن عاصم بن مهاجر الكلاعي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخط الحسن يزيد الحق وضحًا».وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثني الحسن بن علي بن يزيد الوشاء عن علي بن سهل الرملي قال: أخبرني الوليد بن مسلم عن خليد بن دعلج عن قتادة في قول الله عز وجل: {يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ} قال: الملاحة في العينين.{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من الزيادة والنقصان.{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} نعمة، {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا}: لا يستطيع أحد حبسها {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز} فيما أمسك {الحكيم} فيما أرسل.{يا أيها الناس اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله}. قرأ سفيان بن سلمة وأبو جعفر وحمزة والأعمش والكسائي: {غَيْرُ} بالخفض وهو اختيار أبي عبيد. الياقوت: بالرفع.وهذه الآية حجة على القدرية؛ لأنه نفى خالقًا غيره وهم يثبتون معه خالقين كثيرين.{يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماء والأرض لاَ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} فعزى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور}، قراءة العامة بفتح الغين، وهو الشيطان، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن يزيد المقري عن محمد بن المصفى عن أبي حياة، قرأ: {وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور} برفع الغين، وهي قراءة ابن السماك العدوي يدل عليه وماحدثنا.قال: أخبرناعبد الله بن حامد محمد بن خالد قال: أخبرنا داوُد بن سليمان قال: أخبرنا عبد بن حميد عن يحيى بن عبد الحميد عن ابن المبارك عن عبد الله بن عقبة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير: {وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور} قال: أن يعمل المعصية ويتمنّى العفو.
|